تطير الروح إلى باريها ... وتسكن المجهول
... وتترك هنا ذكرى واقعا معا... تذهب الروح إلى خالقها لتلقي علينا السلام من
بعيد ... هي معنا لكنها ليست معنا ... تطير الروح وتبقى ذكراها في كل منا... نعيش
معها ونتذكر الماضي الحزن... وننظر إلى المستقبل ونجده أيضا حزن... لأن الذكرى خيال
والروح ذكرى وعودتها مستحيل....
أبا
الفارس... هو ذاك الفارس القادم من خلف المستحيل ... لم يكن يزعجه رصاص الليل
الغادر الهادر ... ولا حبات الماء المنذرة بالخطر ... ولا أوراق الخريف المتطايرة
على جنبات الطريق ....
فاستمد قوته
وعزيمته من إنسانيته وحبه للأرض التي أحببته حتى إحتضنته .. فلبى نداء الواجب
...وزداد حبه لبلسم الجراح... وثابر كي يستمر في تطوعه لمسح دموع الأمهات والتخفيف
من أنات الجرحى ... فزرع البسمة على شفاه الاطفال ...
فكتب بمداد
دماء الشهداء الطاهرة على شاطىء البحر... رسالة مقادها إني أنا سيد... سلكت هذا
الدرب لا لأصل ... ولكن ليسلك من بعد رحيلي اخوة لي ليصلو إلى ما حلمت أن أصل إليه
....
والأن بعد أن
عرفناك رجل ليس كمثله رجل... عرفناك مقبلا لا مدبرا عرفناك فارس من أنبل الفرسان
... فهذا الأسم هو اللقب الذي عرفناك به ...
نم يا أبا
الفرس ... فكل حبات الدمع التي ذرفناها على رحيلك ... سيكون الخد شاهد على حرارتها
... وستقسم العين أن الموت لنا كان أهون
من نبأ الرحيل ... والأرض ستنبت ما عشقت أنت ازهارا و ورودا... يكون الأمل الذي
بحثت عنه وأفنيت عمرك من أجله... فهذه جيوش المتطوعين تعلن الحداد في هذا اليوم
الحزين .... وهذه الشمس تبكي والقمر غائبا ليستقبل جثمانك الطاهر ... لتشكلا معا
ضياءا للأخرين ...
ما أصعب
الزمان وما أقصاه ... فو الله لو خيرنا بين الموت والحياة لخترت الموت فضلا عن
موتك ... ولو أراد الزمان أن يسايرنا ... وجاء بنا إلى هناك إلى حيث أنت ...
لرفعناك على أكفنا... وهتفنا لك بالحب ... بالورد .. بالدمع نرثيك يا سيد ...
أبا الفارس
... لقد بكيناك جميعا حتى إخضرة الأرض ... نعم بكيناك دمعا ..ودما.. وشوقا لذكراك
...بكاك كل شيء يا سيد ... بكاك الشجر والحجر ... بكتك المساجد ... بكتك رام الله
والبيرة ...بكتك فلسطين التي دوما عشقتها ... بكتك جيوش المتطوعين هنا وهناك وفي
الشتاه ...بكتك عيون الاطفال التي أضحكتها ..وبكيت... بكتك الليالي التي أنستها
... بكتك الينابيع والمروج والجبال والسهول ....
وأخيرا..... أقول
لك ..نم قرير العين أيها المعطاء .. فقد أن الأوان أن ترتاح ... وترى من بعيد كيف
كان عطاءك وكيف يكون عطاء الأوفياء ..............
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق